محفوظ ولد ابراهيم فال
إن النبي صلي الله عليه وسلم أعرف الخلق بربه وأقومهم بحقه ، وهي كلمة صدق قالها ابن القيم رحمه الله ،
فمهما نظر العبد في طرف من حياة النبي صلي الله عليه وسلم المباركة ،في مسجده بين أصحابه ، وفي بيته بين أزواجه وأهله ،وفي المعركة بين خصومه وأعدائه ،
يجده علي حالة من الشهود والمراقبة لا يأفل نجمها ولا تغيب شمسها وقد وصفته بذالك أمنا عائشة رضي الله عنها وهي العارفة به الفائقة في براعة الوصف وروعة البيان حين قالت ،، كان يذكر الله علي كل أحيانه ،،والذكر عند النبي صلي الله عليه وسلم له شأن وليس كذكر الخلوف من أمته الذين يجأرون بالذكر بألسنتهم وقلوبهم خالية من جلال الله ووقاره ،بل ذكر معمور القلب بجلال الله ووقاره وعزته وكبريائه وجماله وبهائه ذكر علي نحو ما أمره الله به،اذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو ولآصال ولاتكن من الغفلين ،، إنه ذكر ترتقي به الآدمية إلي عالم الملكية كأن صاحبه بين ملائكة السبع الطباق يجأر معهم بالتسبيح والتحميد والتقديس ، وما أعظم مناسبة التعليق الجميل
علي هذا الأمر الجليل في هذه الآية، إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون، وكأن المولي جل جلاله يقول له ما أجدر بك أن تكون مثلهم بل ما أحرى بك أن تفوقهم ،كأني أنظر إليه صلوات الله وسلامه عليه يظل في السبح الطويل يتقلب في أطوار معاملة الله ذكرا وشكرا وإخباتا وإنابة وتعليما وجهادا ودعوة و إرشادا وحسن عشرة ومخالطة، يستهل يقظته بالثناء علي ربه والعرفان لجميله قائلا: الحمد لله الذي أحياني بعدما أماتني وإليه النشور، الحمد لله الذي رد علي روحي وعافاني في جسدي وأذن لي بذكره، وهي ألفاظ تفيض بالعرفان الجميل للمنعم الجليل سبحانه وتعالي، يتذكر صاحبها نعما جلبت وبلايا صرفت وكلاءة منحت، خلال ساعات النوم فكم نائم أمسك نفسه بارئها فلم تعد إليه وكم من صحيح في غمرة النوم وفوران الدم أصابته جلطة شلت أركانه ،وكم معافي من كل ذالك غفل عن ذكر من رعاه وعافاه ،
ثم ينهض صلي الله عليه وسلم ناظرا في ملكوت الله تاليا آياته علي نحو مهيب مناجيا ربه، يغمره الأنس والفرح يترجم حاله بأذكار بليغة في وصف ما يجيش به الصدر الكريم تجاه الرب الرحيم،اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت ، وإليك أنبت،وبك خاصمت ،وإليك حاكمت ،فاغفر لي ما قدمت ، وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت ،لا إله إلا أنت. وغير ذالك من أذكار تنحو ذاك النحو.
ثم يستفتح صلاته مغتبطا برضى ربه عن حاله وسماعه لمقاله، وهو صلوات الله وسلامه عليه أصدق من يعبر عن تلك الحال المنيفة حين قال،ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يتغني بالقرآن، وأولى الناس بوصفه بعده صلى الله عليه وسلم أمنا عائشة رضي الله عنها فقد أجابت السائل عن قيامه فقالت،يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ،ويصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ويوتر بثلاث، رضي الله عنك ما أبلغك وأوجزك وأصدقك، تغمر قلبه الرغبة وهو يتلوا آيات الوعد من كرم وبسط وجود فيسأل ربه سؤال مظهر الفقر مستشغر الفاقة وتشفقه الرهبة وهو يتلوا آيات الوعيد فيستعيذ ويستجير بمن يجير ولا يجار عليه قالت عائشة رضي الله عنها افتقدت النبي صلي الله عليه وسلم ليلة
فلتمسته فوقعت يدي علي قدميه وهو ساجد يقول، اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت علي نفسك ،واسمع إليه وهو يناجي ربه والقلب يفيض بينابيع الحب والمعرفة ولسانه يتفنن في التمجيد والتحميد والبدن الطاهر سري فيه الخشوع والخضوع يركع فيقول،اللهم لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي،،سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة ،
ويسجد فيقول،اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره تبارك الله أحسن الخالقين.
وغير ذالك من أذكار ودعوات تجيش بها عاطفة مزدحمة بمشاعر المحبة والخشية والهيبة لرب الأرباب وملك الملوك البر الكريم الجواد الرحيم، فلله ما أشرحه من صدر وأطيبه من قلب وأزكاها من نفس عليه من الله أكمل الصلاة وأتم التسليم.