في ذكرى استشهاد الإمام حسن البنا لماذا اغتالوه ؟

ثلاثاء, 02/16/2016 - 11:14

بقلم : مجدي مغيرة

لو أراد حسن البنا أن تمضي حياته كما مضت حياة غيره ، لتولى أعلى المناصب ، ولنال أرفع الجوائز ، ولتحدثت عنه الصحف والمجلات ، ولكان ضيفا دائما على الإذاعات .

لقد كان الرجل يتمتع بمواهب كبيرة تؤهله أن يكون عالما يُشار إليه بالبنان  ، أو أديبا وخطيبا يشنِّفُ الآذان ، أو سياسيا محنكا تتكالب عليه الأحزاب ليحكم البلاد باسمها أو يكون ممثلا لها في البرلمان .

لكنَّ الرجل اختار طريقا آخر

اختار طريقا كان يعرف صعوبته ، ويدرك مشقته ،  وكان يعلم أن حياته ستكون ثمنا لذلك الطريق ، وأن دماءه ستسيل يوما ما من أجل فكرته .

يقول الإمام البنا مخاطبا أتباعه في رسالة المؤتمر الخامس :

 " أحب أن أصارحكم :

إن دعوتكم ما زالت مجهولة عند كثير من الناس ، ويوم يعرفونها ويذكرون مراميها وأهدافها ستلقى منهم خصومة شديدة وعداوة قاسية ، وستجدون أمامكم الكثير من المشقات وسيعترضكم كثير من العقبات................. وستدخلون بذلك - ولا شك - فى دور التجربة والامتحان ، فتُسجَنون وتعتقلون وتقتلون وتشردون وتُصادر مصالحكم وتعطل أعمالكم وتفتش بيوتكم " .

لقد نشأ الإمام البنا في بيئة  حقق فيها الغربُ كثيرا مما كان يحلم به ويخطط له :

فقد صار حكام المسلمين يطلبون ود الغرب ، ويفتخرون بالسير على طريقه ، وينظرون إلى الإسلام  أنه مجرد عبادات في المساجد ، وجمعيات خيرية تسعي لإطعام الفقراء والمساكين ، ومواسم للاحتفال بمولد النبي – صلى الله عليه وسلم – أو بقدوم شهر رمضان أو بحلول العيدين.

أما العلماء والمفكرون والأدباء { النخبة } ، فقد كانت ثقافة الغرب هي كعبتهم التي إليها يحجون ، والنبع الذي منه يشربون .

واستغل الغرب تلك الغفلة ليسعى لتمزيق بلاد العرب والمسلمين ، ويبني بينها أسوارا عالية أسماها الحدود السياسية ،

 وليزرع في جسدهم كيانا غريبا عليهم – هو إسرائيل - ليضمن استمرار تفرقهم وضعفهم ، وليمتص خيراتهم وثرواتهم ، ويضمن الغرب لذلك الكيان الغريب مقابل ذلك أن يمده بكل أسباب الحياة من مال وسلاح  ورجال ، وحماية وعناية .

جاء حسن البنا ليهدم كل ما بناه الغرب  ، ويزيل كل ما خطط له ، ويعيد للأمة روحها مرة أخرى كما قال في رسالة "بين الأمس واليوم" :

" أيها الإخوان:

أنتم لستم جمعية خيرية ، ولا حزبا سياسيًا ، ولا هيئة موضعية لأغراض محددة المقاصد ، ولكنكم روحٌ جديد يسرى في قلب هذه الأمة فيحييه بالقرآن ، وصوتٌ داوٍ يعلو مرددًا دعوة الرسول -صلى الله عليه وسلم-  ومن الحق الذي لا غلو فيه أن تشعروا أنكم تحملون هذا العبء بعد أن تخلى عنه الناس". ؛

 فكان طبيعيا  وقد بيَّن الرجلُ مقاصدَه وأهدافَه أن يسعى الغرب للتخلص منه بالقتل ، ومن أتباعه بالسجن والاعتقال والتشريد والتشويه .

كتب عنه روبير جاكسون في صحيفة النيويورك كرونيكل وقتما كان في زيارة إلى القاهرة عام 1946م وأراد أن يتعرف على جماعة الإخوان المسلمين ومرشدها :

" زرتُ هذا الأسبوع رجلا قد يصبح من أبرز الرجال في التاريخ المعاصر ، وقد يختفي اسمه إذا كانت الحوادث أكبر منه ذلك هو الشيخ حسن البنا زعيم الإخوان."

وبعد اغتيال الإمام البنا في 12 فبراير 1949م كتب في كتابه "حسن البنا الرجل القرآني"  يقول:

"هذا ما كتبته منذ خمس سنوات ، وقد صدقتني الأحداث فيما ذهبت إليه ، فقد ذهب الرجل مبكراً .. وكان أمل الشرق في صراعه مع المستعمر ، وأنا أفهم أن الشرق يطمح إلي مصلح يضم صفوفه ويرد له كيانه ، غير أنه في اليوم الذي بات فيه مثل هذا الأمل قاب قوسين أو أدنى انتهت حياة الرجل على وضع غير مألوف .. وبطريقة شاذة ، هكذا الشرق لا يستطيع أن يحتفظ طويلا بالكنز الذي يقع في يده" .

قتل الغربُ حسنَ البنا بأيدٍ مصرية ، اعتقادا بأن قتله سيقضي على دعوته ، وسيمحو فكرته ، فقد قال بعضهم : " إن حسن البنا رجلٌ بصيرٌ يقود عميانا ، فإذا قتلتم البصير ؛ ضلَّ العميانُ " ،

لكنهم لم ينتبهوا أن الرجل قد أعدَّ رجالَه لمثل هذا اليوم ،

أعدهم ليكملوا الطريق دون انحراف عنها أو اغترار بغيرها ،

ومازالوا هم الشوكة في حلق الغرب وأتباعه ،

ومازالوا هم حملة راية الكفاح المرير لتحرير الأمة ، واستعادة كيانها المهدوم وعزها المسلوب وشرفها المكلوم .

فيا أتباع البنا

ويا أحرار الأمة

ويا قادة التحرير

أستحلفكم بالله  ....حافظوا على رسالتكم ...واصلوا رحلتكم ..... و" لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ" .