يمر بنا هذه الأيام، اليوم العالمي للمرأة: يوم تبث فيه المرأة الآمال والآلام، والتطلعات والأحلام، وتنشد فيه المكانة والمقام، وترافع وتدافع عن قدراتها ومهاراتها، وأنها قادرة على التميّز والتفوّق في كثير من الوظائف والمهام.
ورغم قناعتنا بأن عيد المرأة الحقيقي هو يوم نزول القرآن، يوم أنزل الله قوله: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} التوبة: ,71 وعيد المرأة الحقيقي في خطبة حجة الوداع يوم قال النّبيّ صلّى اله عليه وسلّم: 'أوصيكم بالنساء خيرًا' فكانت وصيته بالمرأة من آخر الوصايا الّتي ودّع عليها أمّته. فما موقفنا من عيد المرأة؟
اليوم العالمي للمرأة (عيد المرأة) من الأيام المطروقة بقوة إعلاميًا ومؤسساتيًا -شئنا أم أبينا- فقناعتي أن لا نشيح الوجه عنه أو نتجاهله بل نتعامل ونتفاعل معه بإيجابية، ونغتنم هذه الفرصة وهذه السانحة لتبيان التصور الإسلامي لقضايا المرأة، الّتي تطرح في مثل هذه المناسبات، وتبحث عن إجابات، فهذا منبر نبرز من خلاله مكانة المرأة ومركزها وحقوقها وواجباتها في الإسلام، بل أدعو إلى تبنّي مشكلات المرأة والإحساس بآلامها وتحريرها من تقاليد راكدة فاسدة، وتحريرها -أيضًا- من أفكارٍ هدّامة وافدة على حد سواء.
فما علاقة الإسلام برجل لا يخاف الله، يضرب زوجته ضربًا مبرحًا، وما علاقة الإسلام بجاهل حرم المرأة من التعليم، وما علاقة الإسلام بظالم حرم المرأة حقها وميراثها...
هَلُمّ أختي المسلمة، أيّتها الدرّة الغالية: أمّاً، أختًا، بنتًا، زوجًا، إلى رحاب الإسلام إلى التقدير والاحترام، والإكرام ورفعة المقام.
فمِن حقّك أن تشعري بالاعتزاز والافتخار على نساء الدنيا بهذا الدِّين العظيم الّذي كرّمك أيّما تكريم، وأنصفك أعظم إنصاف.
1- كرّمك أمّاً: وجعل نصيبك من البرّ والرعاية أوفر من نصيب الأب (الرجل)، روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن رجلاً جاء إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يسأله: من أحقّ النّاس بحسن صحبتي؟ قال: أمّك، قال: ثم من؟ قال: أمّك، قال: ثم من؟ قال: أمّك، قال: ثم من؟ قال: أبوك.
قال ابن حجر في الفتح، قال ابن بطال: الأم لها ثلاثة أمثال ما للأب من البرّ، دعونا نعبّر عنها بلغة الأرقام، 75% من البرّ للأم، و25% للأب، لماذا يا ابن بطال؟ قال: لصعوبة الحمل، والوضع، والرضاع، وهي أمور لم يشاركها الرجل فيها.
اسألوا التاريخ هل عرف دينًا أو نظامًا كرّم المرأة باعتبارها أمّاً مثل الإسلام، أم هل رأيتم أو قرأتم من جعل أقدام الأمهات جنّات 'الجنّة تحت أقدام الأمهات'.
2- كرمك بنتاً: فاعتبرك القرآن هبة الرّحمن فقال: (يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ) الشورى: ,49 فقدّم الأنثى على الذكر، تقديم يدلّ على التقدير، بل كان أسلافنا يعتبرون المرأة المباركة مَن تبكّر بالأنثى، فتنجب البنت أوّلاً قبل الولد. وجعل رسول الله الجنّة جزاء الأب الّذي يحسن صحبة بناته ويصبر على تربيتهن، ويحسن تأديبهن، وجعل منزلته في الجنّة بجواره، قال: 'مَن عال جاريتين دخلت أنا وهو الجنّة كهاتين' رواه الترمذي،
3- كرّمك زوجةً: فاعتبر القرآن الزوجية آية من آيات الله (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) الروم:,21 واعتبر رسول الله صلّى اله عليه وسلّم التوفيق في اختيار الزوجة الصالحة شطرًا لهذا الدِّين فقال: 'مَن رزقه الله امرأة صالحة فقد أعانه على شطر دينه، فليتق الله في الشطر الثاني' رواه الحاكم وصحّحه ووافقه الذهبي.
أختي المسلمة.. ألاَ يكفيك فخرًا أنّ أوّل مَن آمن ودخل الإسلام كانت امرأة.. خديجة بنت خويلد، وأوّل شهيدة في الإسلام سميّة زوجة ياسر وأمّ عمّار، وأوّل مَن ائتُمنت على المصحف الشّريف حفصة بنت عمر، فضلاً على مواقف كثيرة للمرأة في الإسلام. كموقف أسماء في الهجرة حتّى لقّبت بذات النطاقين.. ونقرأ في القرآن سورة النساء، وسورة مريم.
إخوة الإيمان: فلنحذر من وأد المرأة في هذا الزمان، إذا كان النّاس في الجاهلية عرفوا وأد البنات، فهناك اليوم وأْد آخر لهن، بتضييق الخناق عليهن ووأد مواهبهن وعزلهن عن الإسهام الفاعل في بناء المجتمع، وهذا ليس من الإسلام.
فقد كان للمرأة رأي في أعظم القضايا، فهذه أم سلمة زوج النّبيّ صلّى اله عليه وسلّم، تساهم برأيها في حل أكبر معضلة عندما أشارت عليه أن يحلّق شعره وينحر هديه حتّى يتّبعه المسلمون الّذين صدموا بحرمان المشركين لهم من دخول مكّة. وأجارت أم هاني رجلاً مشركًا في مكّة، فقال لها النّبيّ صلّى اله عليه وسلّم: 'قد أجرنا من أجرتِ يا أم هاني'.
نريدك أختي المسلمة زوجة صالحة تعين زوجها على طاعة الله، والوقوف عند حدوده
كما كانت نساء السلف، تقول إحداهن لزوجها: 'لا تُدخل علينا شيئًا من الحرام، فإنّنا نصبر على الجوع ولا نصبر على النّار'.
نريدك أختي المسلمة أمّاً تربّي لنا الأجيال.
نريدك أختي المسلمة عونًا لنا في حماية الأسرة وتماسكها، وبناء المجتمع.
فلتكن منكنّ الطبيبة والدكتورة والمعلّمة والباحثة والصحافية والبرلمانية... فالمجتمع بحاجة إليكِ.