من الاعتراضات أو ما يسمى بالمصطلح الشائع القوادح ما يسمى القول بالموجب وهو أن يسلم الخصم افتراضات خصمه مع بقاء النزاع في المسألة أو هو "تسليم ما جعله المستدِلُّ موجَبًا لدليله مع بقاء الخلاف" ويمثلون له بقوله تعالى: "يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون" المعنى صدقتم ليخرجن الأعز منها الأذل ولكن الأعز هو الله ورسوله والمؤمنون.
كذلك فإن القول بأن واجب الوقت هو نشر السلم بين المجتمعات المسلمة صحيح مسلم لكن النزاع في الوسائل التي تحقيق ذلك والذي لا ريب فيه أن غض الطرف عن جور الحكام الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد، واستحضار كافة النصوص الشرعية على مرجوحيتها غالبا (سندا أو دلالة) واستدعاء مواقف تراثية لتعزيز مواقف الطغاة ليس من نشر السلم في شيء غاية ما فيه أنه قد يسهم في أنماط من التسكين الآني كما يسهم في قوة الانفجار الحتمي الذي ينشأ من تراكم المظالم، وليس ما تدفعه بعض المجتمعات اليوم إلا ثمنا للتأخر في اتخاذ المواقف المناسبة في أوقاتها.
إن نشر السلم في المجتمعات المسلمة يكون بنشر قيم العدل والمساواة والوقوف في وجه الظالم وإرجاع الشرعية إلى إرادة الأمة والاستفادة من وسائل العصر التي أثبتت نجاعتها في الأمم الأخرى للتخلص من المستبدين من قبيل المظاهرات والاعتصامات وأنماط العصيان المدني.
مشكلة دعاة نشر السلم في المجتمعات الإسلامية أننا لا نسمع منهم شيئا عن القيم الإسلامية التي تجعل من الحاكم أجيرا للأمة ولا عن النصوص التي تحرم الجور في الحكم كما أننا لا نسمع منهم شيئا عن إرهاب إسرائيل حين يتكلمون عن السلم العالمي وضرورة إطفاء الحرائق.
كذلك فإنهم لا يوفقون حين يسعون إلى حصر الأمة بين فكي فتنة تدوم أو سلطان غشوم والواقع أن تجارب الأمم تثبت إمكانية خط ثالث هو الثورة السلمية بالوسائل المدنية فلو انحازوا إلى الجماهير الهادرة يوم خرجت أو حين تخرج بعفوية مطالبة بالحرية والكرامة وهي ترفع شعار السلمية وتطبقه ممارسة لوقف الطغاة مجردين من أي سند شرعي وأخلاق، وحينئذ يكون ثمن التخلص منهم أقل فداحة.
أما وقد اختاروا سبيلا آخر فللشعوب أن تنشد من شواهد القول بالموجب:
وَإِخْوَانٍ حَسِبْتُهُــــــــمُ دُرُوعًا ** فَكَانُــــــوهَا وَلَكِنْ لِلأَعَادِي
وخِلْتُهُمُ سِهَــــــــامًا صَائِبَاتٍ ** فَكَانُوهَا وَلَكِنْ فِي فُـــؤَادِي
وَقَالُوا قَدْ صَغَتْ مِنَّا قُلُـــوبٌ ** لَقَدْ صَدَقُوا وَلَكِنْ عَنْ وِدَادِي