لماذا فصل الدين عن الدنيا ؟!

أحد, 04/17/2016 - 12:55
لماذا فصل الدين عن الدنيا ؟!

 أ/ د: دداه بن أدّي 

ما أكثر المغالطات التي توجه إلى خلط المفاهيم إما عن جهل بالحقائق وإما عن معرفة وطوية مبيتة شريرة .
ولنا أن نتساءل عن حقيقة العلمانية ؟ وهل لها اشتقاق من العلم ؟ وما موقف الإسلام منها ؟ وهل يمكن أن نفصل الدين بعيدا عن الدنيا ونسير دنيانا دون دين ؟ هذا ما سنحاول الاجابة عليه من خلال العجالة التالية : 
المطلب الأول / مفهوم العلمانية وصورها :
أولا/ مفهوم العلمانية :
1/ حقيقة التسمية : يجب البدء أولاً ببيان حقيقة التسمية، وبيان صحة نسبتها إلى العلم، فهل هي كذلك؟ لقد انخدع الناس بتسمية العلمانية بهذا الاسم، ولا يزال أنصارها يتبجحَّون بها ويتطاولون بتعاليمها مغترين بها حيث وجدت لها سوقا رائجة لدى فئات ممَّن قلَّت معرفتهم أو كانت لهم أهدافاً شريرة ضد الدين لعزله عن قيادة البشر أو التحاكم إليه لإحلال تعاليم عَبدَة الأوثان وأصحاب الأحقاد محله.
وحين انطلقت هذه التسمية في أوربا كان يُقصَد بها عندهم حسب ترجمتها الصحيحة فصل الدين عن السياسة، أو الفصل الكامل بينه وبين الحياة الاجتماعية، على أساس أنه لا يجتمع العلم مع الدين بزعمهم، وقد كذبوا في ذلك وقلبوا الحقيقة، فإن الدين والعلم حميمان يكمل أحدهما الآخر ويقويه، أما نسبتهم مذهبهم إلى العلم فإن الحقيقة تدل على أنه لا علاقة بين العلم وبين هذه الفكرة الضالة، بل إن تسميتها علمانية إنما هو بسبب سوء الترجمة من معناها الغربي الذي هو الابتعاد عن الدين، أو من باب الخداع والتضليل إذ كان الأولى أن تكون ترجمتها وتسميتها أيضاً هي "اللادينية" لأن مفهومها الأصلي هو هذا وليس نسبة إلى العلم.
2/ التعريف الصريح للعلمانية : الواقع أن دارس العلمانية سيلاحظ تعريفات كثيرة، إلا أن أصدق تلك التعريفات وأقربها إلى حقيقة العلمانية هو أن : " العلمانية مذهب هدَّام يُراد به فصل الدين عن الحياة كلها وإبعاده عنها ".
أو هي إقامة الحياة على غير دين إما بإبعاده قهراً ومحاربته علناً كالشيوعية، وإما بالسماح به وبضده من الإلحاد كما هو الحال في الدول الغربية التي تسمي هذا الصنيع حرية وديمقراطية أو تدين شخصي. بينما هو حرب للتدين، ذلك أن حصر الدين في نطاق فردي بعيداً عن حكم المجتمع وإصلاح شؤونه هو مجتمع لا ديني لأنه أقام حياته الاجتماعية والثقافية وسائر معاملاته على إقصاء الدين ، وهو حال الحضارة الغربية الجديدة ونظامها، وهذا هو الواقع الصحيح، ولا عبرة بمراوغتهم في زعمهم أنهم يرعون التدين، فإنها مجرد خداع للمتدينين، فإن تسميتهم لهذا الإلحاد علماً هو من باب فرحهم بمعرفتهم ظاهراً من الحياة الدنيا، وأين هو من العلم الحقيقي الذي يوصل صاحبه إلى معرفة ربه ودينه وإلى السعادة في الدنيا والآخرة. 
ثانيا / صور العلمانية : للعلمانية صورتان، كل صورة منهما أقبح من الأخرى:
الصورة الأولى: العلمانية الملحدة: وهي التي تنكر الدين كلية: وتنكر وجود الله الخالق البارئ المصور، ولا تعترف بشيء من ذلك، بل وتحارب وتعادي من يدعو إلى مجرد الإيمان بوجود الله، وهذه العلمانية على فجورها ووقاحتها في التبجح بكفرها، إلا أن الحكم بكفرها أمر ظاهر ميسور لكافة المسلمين، فلا ينطلي - بحمد الله - أمرها على المسلمين، ولا يُقبل عليها من المسلمين إلا رجل يريد أن يفارق دينه .
الصورة الثانية: العلمانية غير الملحدة وهي علمانية لا تنكر وجود الله، وتؤمن به إيمانًا نظريًا: لكنها تنكر تدخل الدين في شؤون الدنيا، وتنادي بعزل الدين عن الدنيا، (وهذه الصورة أشد خطرًا من الصورة السابقة) من حيث الإضلال والتلبيس على عوام المسلمين، فعدم إنكارها لوجود الله، وعدم ظهور محاربتها للتدين يغطي على أكثر عوام المسلمين حقيقة هذه الدعوة الكفرية، فلا يتبينون ما فيها من الكفر لقلة علمهم ومعرفتهم الصحيحة بالدين، ولذلك تجد أكثر الأنظمة الحاكمة اليوم في بلاد المسلمين أنظمة علمانية، والكثرة الكاثرة والجمهور الأعظم من المسلمين لا يعرفون حقيقة ذلك.

المطلب الثاني / نتائج العلمانية وموقف الاسلام منها :
أولا : نتائج العلمانية : قد كان لتسرب العلمانية إلى المجتمع الإسلامي أسوأ الأثر على المسلمين في دينهم ودنياهم.
وهاهي بعض الثمار الخبيثة للعلمانية:
1 - رفض الحكم بما أنزل الله سبحانه وتعالى، وإقصاء الشريعة عن كافة مجالات الحياة، والاستعاضة عن الوحي الإلهي ، بالقوانين الوضعية التي اقتبسوها عن الكفار المحاربين لله ورسوله، واعتبار العودة إلى الحكم بما أنزل الله تخلفًا ورجعية .
2 - تحريف التاريخ الإسلامي وتزييفه، وتصوير العصور الذهبية لحركة الفتوح الإسلامية، على أنها عصور همجية تسودها الفوضى، والمطامع الشخصية.
3 - إفساد التعليم وجعله خادمًا لنشر الفكر العلماني .
4 - إذابة الفوارق بين حملة الرسالة الصحيحة، وهم المسلمون أهل التوحيد والطاعة والإيمان ، وبين أهل التحريف والتبديل والإلحادوالفسوق والعصيان.
وفي ظل هذا الفكر يكون زواج النصراني أو اليهودي أو البوذي أو الشيوعي بالمسلمة أمرًا لا غبار عليه، ولا حرج فيه ، وهم يحاولون ترويج ذلك في بلاد المسلمين تحت ما سموه بـ (الوحدة الوطنية).
5 - نشر الإباحية والفوضى الأخلاقية، وتهديم بنيان الأسرة باعتبارها النواة الأولى في البنية الاجتماعية.
6 - محاربة الدعوة الإسلامية .
ثانيا / موقف الاسلام من العلمانية : قد رفض الاسلام نظام العلمانية نتيجة لأسباب نذكر منها :
- الشرع لله ابتداء، وأن شريعة الله هي العليا .. وأن مقتضى ذلك ألا يكون معها شريعة أخرى، وإلا فمعنى ذلك هو الشرك، واتخاذ الآلهة مع الله، والعبادة للأرباب المتفرقين.
- إن العلمانية تحل ما حرم الله، وتحرم ما أحل الله، وقبول التحليل والتحريم من غير الله كفر وشرك مخرج من الملة، فلا بد لنا من رفض العلمانية لنحقق لأنفسنا صفة الإسلام.
- إن العلمانية كفر بواح، وقبول الكفر والرضا به كفر .. ولذلك فلا بد لنا من رفض العلمانية وعدم الرضا بها لنبقى في دين الله، ونحقق لأنفسنا صفة الإسلام.
- إن الأنظمة العلمانية التي تقوم على فصل الدين عن الدولة والتحاكم إلى إرادة الأمة بدلاً من الكتاب والسنة ـ هذه الأنظمة ـ تفتقد الشرعية وموقف المسلم منها يتحدد في عبارة واحدة :إنه يرفض هذه الأنظمة، ويرفض الاعتراف لها بأيّ شرعية.
- إن العلمانية هي أقصى درجات التخلف العقيدي، والذي تنشأ منه كل ألوان التخلف الأخرى ولذلك فنحن نرفض العلمانية لأنها سبب التخلف والتبعية.
- إن العلمانية يحكم في ظلها الأراذل والعملاء، وينتج عنها ظواهر اغتراب، وفقدان انتماء، فيؤدي ذلك إلى استنزاف الطاقات، وضياع الجهود، وفساد عريض .. ولذلك فلا بد أن نرفض العلمانية ليتولى أولوا الألباب قيادة الأمة . 
الخاتمة : وأخيرا ننبه إلى أن من خير من بحث في العولمة من المعاصرين الشيخ محمد قطب في كتابه "مذاهب معاصرة" والشيخ سفر في رسالته "العلمانية" فخلاصة العلمانية التي يعرفها الجميع لكثرة الحديث حولها هي "فصل الدين عن الدولة" وجميع القراء تقريبًا يعلمون أنها مخالفة لهدي الإسلام فملخص حكم الإسلام فيها كما قال الشيخ سفر: "إن العلمانية تعني بداهة الحكم بغير ما أنزل الله فهذا هو معنى قيام الحياة على غير الدين ومن ثم فهي بالبديهة أيضًا نظام جاهلي لا مكان لمعتقده في دائرة الإسلام بل هو كافر بنص القرآن الكريم {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} .

مراجع للتوسع
- تهافت العلمانية، عماد الدين خليل.
- الإسلام والحضارة الغربية، محمد محمد حسين.
- العلمانية، سفر بن عبد الرحمن الحوالي.
- تاريخ الجمعيات السرية والحركات الهدامة، محمد عبدالله عنان.
- الإسلام ومشكلات الحضارة، سيد قطب.
- الغارة على العالم الإسلامي، ترجمة محب الدين الخطيب ومساعد اليافي.
- الفكر الإسلامي في مواجهة الأفكار الغربية، محمد المبارك.
- الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي، محمد البهي.
- الإسلام والعلمانية وجهاً لوجه، د. يوسف القرضاوي.
- العلمانية: النشأة والأثر في الشرق والغرب، زكريا فايد.
- وجوب تحكيم الشريعة الإسلامية للخروج من دائرة الكفر الاعتقادي، د. محمد شتا أبو سعد، القاهرة، 1413هـ.
- جذور العلمانية، د. السيد أحمد فرج دار الوفاء المنصورة 1990م.
- علماني وعلمانية، د. السيد أحمد فرج - بحث ضمن المعجمية الدولية بتونس 1986م.
- الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي .
- موسوعة المذاهب الفكرية المعاصرة / إعداد: مجموعة من الباحثين بإشراف الشيخ عَلوي بن عبد القادر السقاف ، الناشر: موقع الدرر السنية على الإنترنت dorar.net ، عدد الأجزاء: 2، تم تحميله في/ ربيع الأول 1433 هـ ، [الكتاب مرقم آليا].