كنوز تنتظر اليد الماهرة/الشيخ محمد سعيد با

ثلاثاء, 12/09/2014 - 15:51

أيها الأحبة، سلام الله عليكم وعلى من تحبون وعلى من يحبكم في الله!
أجدد فتل حبل مودتي لكم.
أثناء تحضيري لبرنامج فكري دعيت للمشاركة فيه في قناة TVS2، السنغالية، بمناسبة صدور النسخة الفرنسية من كتاب بل سفر "تمبكتو ..."، عثرت على حقائق مذهلة عن ثراء وضخامة تجربتنا الحضارية في ظلال المنهج الإسلامي في هذه المنطقة (السودان الغربي) النائية عن قلب العالم الإسلامي.

أولى هذه الحقائق المزاوجة بين أبعاد ثلاثة تمثل ركائز صلبة لأية نهضة فكرية جادة تتطلع إلي المساهمة في إثراء التجربة الإنسانية الحضارية المشتركة :
1- غزارة الإنتاج الفكري، الأمر الذي يدل بوضوح على اتساع القاعدة الفكرية في الأمة صاحبة التجربة، بحيث تتحول المعرفة والتداول فيها ووضعها في قلب حياة المجتمع.

هذه ظاهرة بارزة باهرة في تجربة المسلمين بالمنطقة منذ أكثر من ألف عام وهم يتحركون في ركاب الحضارة الإسلامية التي كان روادها يجوبون الأرض بقيم عالية ويقين يهد الجبال وبوسائل هزيلة لكنها كانت أفعل من كثير من ترساناتنا اليوم.
خذوا هذه العينة التي ليست استثناء البتة : يقدر بعض الباحثين حجم المخطوطات في تيمبكتو وحدها بحوالي (٣٠٠) ألف وثيقة، تصوروا ضخامة الرقم بوسائل وظروف حياة الإنسان في ذلك الظرف!
2- تنوع واتساع المجالات المعرفية التي كانت مطروقة من قبل علمائنا ومفكرينا وفقهائنا، وهي البصمة التي نجدها في تعدد الفروع المعرفية التي أبدعت فيها تلك الأجيال التي كانت تتحرك في إطار مشروع حضاري متضح المعالم بارز القسمات، من أجل ما يمكن أن يعكس تلك الروح الوثابة التي كانت تسكن واقعهم،ذلك الدمج الرائع بين الإيماني العقدي أو التشريعي التوجيهي وبين الدنيوي الحياتي.
إليكم هذا النموذج الذي يقدمه بوند ريف الباحث الألماني الذي عني بالتنقيب في تلك الكنوز التي لم تستثمر بعد، والذي يؤكد بأن الإنتاج الفكري في مجال "الزراعة" واستصلاح التربة يمكن استغلاله اليوم لإيجاد حلول للمشاكل الزراعية التي نعاني منها في المنطقة.
ثم يقول من نظر من الباحثين في تلك المخطوطات، بأن من دبجها قد تداولوا، فضلا عن الأنواع المعتادة في المسطرة العامة للحياة الفكرية المعهودة بالمنطقة (اللغة، الفنون الشرعية..) بأنها تحتضن الفلسفة المحررة، الطب، العلوم الطبيعية والكونية، الدبلوماسية، القضايا المتعلقة بالحكم والفنون العسكرية، السياحة...
3- الخصوبة والقدرة علي الاقتباس والهضم والتمثل بالمفهوم العلمي للمصطلح، وتتجلي هذه الخاصية في أكثر من ضميمة فكرية ومعرفية نجدها في ثروات تومبكتو المنجمية كأن نعثر، إلي جانب ما سطر بالعربية التي كانت الركيزة للنشاط المعرفي والجهد الفكري على طول وعرض المنطقة، نجد مخطوطات كتبت بالبامبارا والفلانية والتماشيكية وحتى العبرية.
ننطلق من هذه النماذج التي تدل على مدى الرقي الفكري، حتي بمقاييس عصرنا الذي تفجرت فيه ينابيع المعرفة بصورة لم تعرف لها نظائر في المحفوظ من التاريخ البشري، لنؤكد على حقيقة معروفة ألا وهي أن من أولى متطلبات المشروع النهضوي الذي نسوقه ونتشوق إلى أن يتلقفه الشباب الثائر، بأنبل مقاصد لفظ الثورة، ويصعدوا به نحو تلال المجد، الحفاظ على نتاج هذا الجهد العقلي المركز الذي لا يمكن تصور قيام أي نهوض إذا ما ظل حبيس الرفوف فكيف بنا وهو يتعرض لبطشات متلاحقة عبر العصور من اللصوص الفرنساويين إلي جرائم الحمقي مرورا بفظائع قيادات تافهة لا تشعر بالانتماء إلى هذا الماضي المتلألئ (منبتون لا أرضا قطعوا ولا ظهرا أبقوا).
وهنا نوجه مناشدة إلى جمهور الشباب الحامل الهم المرابط على ىثغور المعرفة أن يضعوا العناية بهذا الإرث العزيز -الذي لو ملكه اليوم بعض الأمم لأوجدوا لأنفسهم موطئا في العالمين-، على رأس سلم الأولويات عندهم وصلا لما قطع وتتميما لما بدئ وإرساء لمرتكزات انطلاقة جديدة مجددة.
نرجو أن يساهم هؤلاء الشباب المثقفون الواعون في جمع هذه الكنوز وأن يبوبوا ويفهرسوا ويفرزوا ويعرفوا، وأن يكون منهم متخصصون في مجال التعامل مع المخطوطات صيانة، وترميما،وتحقيقا..