قال العلامة الموريتاني الشيخ محمد الحسن ولد الددو - عضو مجلس الأمناء في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، إن رمضان مدرسة للتقوى، يتعلم الإنسان فيها كيف يتق الله سبحانه وتعالى، موضحا أن هذه المدرسة مُعدة للاستفادة منها، لكن إنما يستفيد منها الإنسان الذي جاءها بروح التقرب إلى الله، والتعرض لنفحاته ورحماته وبركاته، وجاء تائبا مستغفرا مستقيلا لعثراته.
ويرى الددو رئيس مركز تكوين العلماء بموريتانيا، أن التوبة هي أهم ما يمكن الاستعداد به لشهر رمضان، مضيفا أنه للاستفادة من هذه المدرسة الرمضانية، لابد أن يكون الإنسان عازما على أن المستوى الذي يصله من الإيمان في شهر رمضان من الطاعة والعبادة لا يقصر فيه بعد رمضان، مشيرا إلى أن الذي يتذكر أنه سيفارق الحياة، يحافظ على ما وصل إليه في رمضان من الصيام، والقيام، وقراءة القرآن، والإقبال على الله، والإعراض عمن سواه، وبذلك يكون من أهل التقوى فعلا.
ويؤكد العّلامة الإسلامي أن الدعاء، وصحبة الصالحين، وتذكر الإنسان لقرب أجله، من أهم الوسائل التي تثبيت الإنسان على أعماله بعد انصرام شهر الصيام، معددا بعض أهم مقاصد الصيام في التقوى، وتعود الإنسان على صيام النوافل طول السنة، وقيام الليل.
*ما هي أهم المقاصد التي يرمي هذا شهر رمضان الكريم إلى تحقيقها في النفوس؟
**بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد، وعلى آله ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين، أما بعد؛ فإن الله بيّن بعض الحكم التي شرع لنا صيام شهر رمضان من أجلها، فقال (يا أيها الذين أمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون)، "لعلكم تتقون"، أي: إن رمضان مدرسة للتقوى، يتعلم الإنسان فيها كيف يتق الله سبحانه وتعالى. وذلك أنه يتعود على ترك ما هو محتاج إليه من الطعام والشراب والشهوة، فيترك كل ذلك ابتغاء مرضاة الله، فيتعود بذلك على ترك ما حرم الله عليه في غير رمضان كذلك. وبالتالي أهم شيء يتعود عليه الإنسان في رمضان هو التقوى، لأنه زاده الذي سيتخرج به من هذه المدرسة، وسيبقى معه بقية عمره. ثم المقصد الثاني بعد ذلك تعود الإنسان على الصيام فيصوم النفل، فليس المقصود ألا يصوم الإنسان في السنة إلا هذا الشهر فحسب، بل عليه أن يكثر من الصيام ما استطاع، فالصوم من أقرب القربات التي يتقرب بها إلى الله تعالى، وهو تشبه بالملائكة الكرام، والنبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه في الحديث الصحيح "كل عمل ابن ادم له إلا الصوم يقول الله فانه لي وأنا أجزي به...". والمقصد الثالث هو القيام، بأن يتعود الإنسان على قيام الليل ومناجاة الله والأنس به، وقد قال الإمام ابن عبد الحق الاشبيلي رحمه الله "الحمد لله الذي أذن لعباده بطاعته فخروا بين يديه متدللين ولوجه معظمين، لم يغلق بينه وبينهم بابا، ولا أسدل دونهم حجابا، ولا خفض أودية ولا رفع شعابا"، فيتعود الإنسان كذلك على قيام الليل في سائر العام.
*كيف يمكن أن نستثمر هذا الشهر الكريم في تحقيق مقصد التقوى ومقصد الإحسان للفقراء ومقصد وحدة الأمة ومثل هذه القيم الكلية الكبرى التي رسمها الإسلام وجسدها النبي صلى الله عليه وسلم؟
**نعم هذه من أثار رمضان، فمن أثره أنه يؤدي إلى السخاء والجود، فيرحم الإنسان الفقراء والضعفاء، لأنه هو قد ذاق طعم الحرمان بالصيام، فيسعى لتخفيف معاناة الآخرين، وأيضا الصيام يجمع المسلمين ويوحدهم، فلهم وقت واحد يتناولون فيه وجبة الإفطار، ووقت لقيام الليل، وصيام محدد، وهكذا فهذا سبب من أسباب وحدة الأمة واجتماع كلمتها، وأيضا فإن روح رمضان تؤدي إلى الانتصار على النفس والانتصار على الآخرين، فذلك مدعاة لأن تنتصر هذه الأمة على غيرها، وقد تحققت في هذا الشهر انتصارات عظيمة كبرى، بدأ بمعركة بدر الكبرى، وفتح مكة، إلى عين جالوت، ومعركة الزلاقة، وحطين وغيرها من المعارك الكبرى التي كانت في رمضان.
*البعض يتساءل قبيل وصول الشهر الكريم، عن كيف يمكن الاستعداد له استعدادا روحيا ومعنويا؟
**أهم شيء بالنسبة للاستعداد لشهر رمضان هو التوبة من الأدران الماضية، حتى يشارك الإنسان ويكون صالحا للمسابقة، لأن الإنسان على سبيل المثال إذا علم أن أمامه مسابقة، وأنها ستبدأ يوم كذا، فلابد له أن يستعد ويدرس المقررات، ويتهيأ ليكون على حد المنافسة، وليس كل أحد سينجح في هذه المنافسة، فهو امتحان سينجح فيه الفائزون الذين تُعتق رقابهم من النار، ويخسر فيها آخرون يكون رمضان حسرة عليهم، فيا رب قائم وحظه من القيام التعب والنصب، ويا رب صائم وحظه من الصيام الجوع والعطش، لذلك إنما يكون نفع الصيام من اتقى، كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه"، وقد قال أحد العلماء:
"لا تجعل رمضان شهر فكاهة*** تلهيك فيه من القبيح فنونه"
"وعلم بأنك لن تقوم بحقه *** حتى تكون تصومه وتصونه"
ويقول الآخر"
"إذا لم يكن في السمع مني تصامّم، وفي بصري غض، وفي منطقي صمت، فحسبي إذن من صومي الجوع والظمأ، وإن قلت صمت يوم فما صمت".
*ما هي الكيفية التي يمكن أن يستفيد بها الإنسان من هذه المدرسة الرمضانية؟
**هذه المدرسة مُعدة للاستفادة منها، لكن إنما يستفيد منها الإنسان الذي جاءها بروح التقرب إلى الله، والتعرض لنفحاته ورحماته وبركاته، وجاء تائبا مستغفرا مستقيلا لعثراته، مستغفرا من سيئاته، مقيلا لعثرات الآخرين، ساعيا لمغفرة سيئاته وعتقه من النار، فهذا الذي ينال حظا من هذه المدرسة وينتفع بها، وأيضا لابد أن يكون الإنسان عازما على أن المستوى الذي يصله من الإيمان في شهر رمضان من الطاعة والعبادة لا يقصر فيه بعد رمضان، حتى لا يكون من أولئك الذين قيل فيهم، بيئس القوم الذين لا يعرفون الله إلا في رمضان.
*ما الذي يُعين الإنسان على مواصلة طاعاته التي شمر في رمضان على القيام بها، دونما تراجع إلى الوراء بعد انصرام شهر الصيام؟
**بالنسبة للإنسان فهو محتاج إلى التثبيت، ومن وسائل تثبيته الدعاء، وقد كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، "اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك اللهم يا مصرف القلوب صرف قلوبنا لطاعتك"، ومنه صحبة الصالحين، فإن الله يثبت بها قلوب عباده المؤمنين، وقد قال عبد الله بن مبارك "قصص الصالحين جند من جنود الله يثبت الله بها قلوب عباده، ويساق ذلك من القرآن قول الله تعالى (وكلا ينقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين)، ومنها تذكر الإنسان لقرب أجله، وأن عسى أن يكون قد اقترب أجله، فرب صائمه لن يصومه، ولرب قائمه لن يقومه. فكثير من الذين أدركوا رمضان في هذا العام، لن يأتي عليهم رمضان القادم، إلا وقد فارقوا الحياة، وقَدِموا إلى ما قد قَدّموا وانصرفوا عن هذه الدار، وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون، فالذي يتذكر ذلك يحافظ على ما وصل إليه في رمضان من الصيام، والقيام، وقراءة القرآن، والإقبال على الله، والإعراض عمن سواه، وبذلك يكون من أهل التقوى فعلا.
*كيف تساهم مدرسة الصيام في بناء القيم الإسلامية الرفيعة وتثبت الأخلاق النبيلة؟
**بالنسبة لهذه القيم فبناؤها مشترك من كثير من الطاعات، فيبنيها كما ذكرنا الصيام والقيام، وكذلك تبنيها الصلاة "إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر"، ويبنيها القرآن لأنه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويشرع أفضل القيم ويدعو إليها، والسنة كذلك، فكل ذلك يشارك في بناء هذه القيم وترسيخها في الإنسان وتثبيته عليها حتى يلقى الله.
*ما هي قيمة هذه القيم التي يغرسها رمضان في النفوس؟ وكيف يحرص عليها الشباب بصفة خاصة؟
**نعم بالنسبة لمن عرف قيمة هذه القيم، لا يحتاج إلى تحريض وتحريص عليها، لأنه سيعلم أنها أحسن ما يمكن أن يتنافس الناس فيه، فالناس يتنافسون في السعادة ووسائلها، والشباب يضحون من أجل سعادتهم ويبحثون عنها بكل الوسائل، وسعادتهم الحقيقية ليست في هذه الدار، وإنما في لدار الآخرة، وبترسيخ هذه القيم يضمن الإنسان مستقبله الأخروي، ونجاته بين يدي الله عند العرض عليه.
الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين