يشخص القرآن الكريم حالة الغفلة التي تسيج علي عقولنا ونحن نمر بما بث الله في كونه الفسيح من عجائب كفيلة بجعلنا نجثو في محراب الإقرار بكل الكمال وبكل العظمة والجبروت وحسن التدبير وجميل التقدير لمن برأ وأحسن كل شيء خلقه :
«وكأي من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون!»
هذه الحالة تعترينا ونحن نجيل البصر في كتاب الحياة الأول الذي يأخذ بيد الإنسان ليجوب به الأكوان من أدق إلى أجل ما ذرأ الله فيها
ومن هذه الآيات التي تهز القارئ هزا وتجعله يراجع كل حساباته ويعيد ترتيب أوراقه قول الحق:
«إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون»!
هنا يدير القرآن فكرة النهوض من رقدة الموتة والانسيال نحو الموقف الأمر من كل ما مر بالكائنات، حيث يلقي الإنسان حصاد حركته في الحياة لحظة لحظة خلجة خلجة لا تغيب شاردة من كسبه في هذا الوجود إلى أن يتساءل مذعورا وموشكا علي الهلاك :
«....ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها..»!!
نعم، يؤكد الكتاب الكريم، بل يكرر في مئات الآيات، تحتم وقوع هذه اللحظة الحرجة، كي يصبح الحس مرهفا ويظل الشعور متوقدا فيدفعنا ذلك إلى إعداد العدة وتهيئة الرد، لكن النهج في هذا المقام يتعلق ببعد آخر في المسألة أوقع في النفس وأعمق أثرا في الوجدان وأشد إثارة للهلع :
«إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون»
ليتعمق الشعور بالرهبة أمام هذا المقطع القرآني علينا أن نقرأه في سياقه (السابق واللاحق) ليرتسم المشهد ونري خطورة ما يجري لنا في عبورنا لهذه الحياة ونحن غافلون: عملية نسخ شاملة دائمة دقيقة، هي وظيفة الكتاب:
«هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق ..»
ثم، إن هذا المقطع من الآية يلخص الروح السارية في سورة الجاثية حيث نلمح غير بعيد مشهد الأمم وهي جاثية حائرة يحاصرها الغم ويجللها العار تترقب وقوع الكارثة الكبري.
لا منجا ولا ملجأ في أتون هذه المعمعة والخلائق متربصة شاخصة أبصارها إلا أن يسلكنا البر الرحيم في تلك الدائرة الخاصة التي حفت بها عنايته وسبقت لأهلها منه الحسني، حيث تغطي ذيول رحمته ما كان مستنسخا :
«فأما الذين ءامنوا وعملوا الصالحات فيدخلهم ربهم في رحمته ذلك هو الفوز المبين!!»
المصدر : صفحة الكاتب على الفيس بوك Mouhamad Said Ba