كيف تكون داعية ؟/أسعد فتحي

ثلاثاء, 02/03/2015 - 13:26

للوهلة الأولى قد ينظر إلى العنوان على أنه اعتيادي وتقليدي بل ربما كتب فيه من قبله الكثير الكثير وألفت فيه الكتب والمؤلفات وصيغت فيه الدساتير والقصائد والشروحات.. والحقيقة ليست كذلك، لن نكتب اليوم كيف تدعو الناس، لن نكتب عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولن نكتب عن أساليب الدعوة وغيرها، لكننا سنكتب عن العنصر الأساس والأهم ألا وهو الداعية نفسه.

 

كيف تكون داعية لنفسك أولاً، كيف تكون داعية تدعو على بصيرة، كيف تكون داعية تأمر بما تفعل، وتنهى عما تترك، كيف تكون داعية بينك وبين الله وبينك وبين نفسك.

 

إنك تعرف نفسك جيداً، تعرف ما لها وما عليها، فأنت كما أنت بينك وبين نفسك، ولست أنت كما يظنك الآخرون، مهما ظنوا بك خيراً أو غير ذلك، إنك لن تستطيع أن تجمل صورتك على غير حقيقتها، فالخضوع في القول وادعاء الخشوع وحضور القلب، كل ذلك أنت تعرفه جيداً إن كان على حقيقته أو تمثيلاً تستدرج به القلوب من أمامك، قد تنجح في التمثيل حتى على أهلك وزوجتك، لكنك في النهاية لن تستطيع أن تخدع نفسك أو تغير حقيقتك أمام الله رب العالمين الذي يعلم ما تكن الصدور وما تخفي.

دعاةٌ كثر اليوم تتفاجأ كثيراً عندما تعلم عن حقيقتهم وعن حقيقة تصرفاتهم، عما كانوا يأمرون به ولا يأتونه، وعما كانوا ينهون عنه ويمتهنونه مهنةً، دعاة كثر يبرع في التنظير عليك أيما تنظير، وعند الحقيقة تكتشف أنه ما هو إلا ممثل ناجح حفظ دوره عن ظهر قلب، وتعلّم بعض الحركات العاطفية الخادعة كي يميل إليه الناس من حوله.

 

الآن توجه بقلبك إلى الله، وأعط لنفسك دقائق لتتأمل فيها هذه الحقيقة، وأين أنت بين الصفين، هل أنت داعية حقيقي، أم أنت ممثل مغبون؟؟

 

اجلس وتأمل، وانظر إلى نفسك، واسأل الله عز وجل التوفيق لك ليدلك على الطريق القويم.

 

بينما أنت جالس في خلوتك، تأمل معي ما يلي:

 

– هل سألت نفسك يوما عن أعمالك، أهي لله؟؟ أم لحظ في النفس؟

 

– وأنت تدعو الناس هل قصدت الله في فعلك؟

 

– هل أنت ممن تنشط أمام الناس وتفتر إذا خلوت؟

 

– هل تنشط حين يمدحك الآخرون وتهبط حين لا يذكرونك؟

 

إذا كان جوابك: نعم؛ راجع نفسك.

 

اعلم أيها الداعية أن الإخلاص أحد أسرار النجاح والاستجابة في الدعوة؛ وانظر معي حين أتى سعد بن معاذ يطرد مصعب بن عمير من المدينة المنورة لما أحدثه فيها من الدعوة إلى الله، وكان يومها عند أسعد بن زرارة، فلما أقبل سعد من بعيد قال أسعد لمصعب: هذا سيد قومه قد جاءك، فاصدق الله فيه.

 

أحسن توجهك إلى الله فيه، الله كفيلك بعد ذلك بإسلامه أو عدمه، المهم أن تتوجه ثم اسأل نفسك: هل أنا أمتثل كل ما آمر الناس به، أم أنا أدعو لشيء وأنا عنه بعيد؛ عندما أطلب منهم الخشوع في الصلاة، وتدبُر معاني القرآن العظيم وصلاة الراتبة وغير ذلك هل حقاً أنا أمتثل أم أدعوهم فقط دعوة باللسان. عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يُؤْتَى بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُ بَطْنِهِ، فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ فِي الرَّحَى، فَيَجْتَمِعُ إِلَيْهِ أَهْلُ النَّارِ فَيَقُولُونَ: فُلانُ مَا لَكَ؟ أَلَمْ تَكُ تَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ؟ فَيَقُولُ: بَلَى كُنْتُ آمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَلا آتِيهِ، وَأَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ).

 

– أيها الداعية حتى تكون داعية حقاً عليك بالتخلق بالخلق الحسن، تكون هينا ليّناً، غير فحاش ولا صخاب، لا تؤذي أحداً، تعامل الكل برفق بما فيهم أهل بيتك؛ صادقاً مع نفسك والآخرين، عن أبي ذر ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن).

 

وكم من داعية تراه في المسجد ملاكاً مسالماً في بيته يتعوذ منه أهله؟!!

– ثم بعد ذلك عليك أن تجتهد في هذه العلوم والمعارف قدر ما استطعت، خاصة فيما يتعلق بالدعوة، فقد قال تعالى: {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني}، وتتعلم فنون الإدارة وتنظيم الوقت وتطوير الذات، ومن ثم تقرأ أكثر وأكثر، وتعيش مع الناس في عالمهم فتعرف ما يجب معرفته عن التكنولوجيا والعلوم وغير ذلك من أمور الحياة، وتحسن تدبير مالك وكيف تنفقه، وتحسن تربية أولادك ولا تتركهم لرفقة السوء، وتتعلم فنون الذوق (والإتيكيت) في التعامل مع الآخرين وفي سلوكك في الطرقات وأمام الناس وفي وظيفتك أو متجرك؛ عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رحم الله رجلاً سمحًا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى).

 

– كما عليك أن تحسن مظهرك وهندامك وتتطيب بالطيب، فإن لم تجد فعليك بالنظافة الجيدة يوماً بيوم، وأن تنظف فمك وأسنانك، وأن ترتدي اللباس النظيف المتناسق، وتهذب شعرك ولحيتك وشاربك، فإن النظرة الأولى باب لقبول الآخرين؛ فإما أن تفتحه وإما أن تغلقه.

 

– ومما هو جدير بالذكر أن تترفع عما في أيدي الناس وأن تزهد فيه، فهذا أدعى لأن يحبوك لا أن يشعروا بثقلك عليهم وأنهم ما رأوك تخيلوك مستجدياً جاء يحدثهم ليشبع أو يأخذ.

 

– وأخيراً، قد تجد من نفسك تقصيراً وإصابة للذنوب، فلا تجعل للشيطان عليك سبيلاً بأن تيأس وتقنط من رحمة الله، بل بادر بالتوبة والرجوع إلى الله، فالمؤمن أواب كلما أخطأ تذكر؛ فعاد إلى الله عز وجل.