السراج: العلماء الموريتانيون منفتحون على الأدب، وأنتم ذكرتم كثرا منه في هذه المقابلة، كيف تنظرون إليه، وإلى مختلف مدارسه؟ الشيخ: طبعا أنا أقول فيه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، لا أحب الإكثار منه، لا أحب أن يكون هو الغالب على الشخص، فلا بد أن يكون القرآن حاضرا، وكذا السنة والحديث، وأن تكون العلوم الشرعية حاضرة أيضا، والأدب هو أحد الروافد وكذا اللغة، وأعرف أيضا أن القرآن حكم عربي، "وكذلك أنزلناه حكما عربيا"، وأحب في هذا الشعر ما كان له مساس بالشواهد اللغة، ومفرداتها، ولذلك استفدت كثيرا من مجاز القرآن لأبي عبيد، لما توليت تدريس التفسير في جامعة الإيمان باليمن، فكنت أركز على مجاز القرآن لأبي عبيد لأنه اهتم باللغة كثيرا، وهذا الجانب من الشعر يستهويني، يستهويني طبعا اشعراء الدولة الإسلامية خصوصا العصر الأموي؛ غيلان، وجرير والفرزدق، وراعي بني نمير، لا أقرأ للحداثيين، ولا أعرف الشيء الكثير عنه، ولا أقرأ فيه، ولا تستهويني الدراسات النقدية الحديثة أيضا، أعرف أن الأدب هو انطباع وذوق... السراج: من هم أهم من رافقوكم من الأدباء؟ الشيخ: رافقني في مرحلة التدريس في تيكنت الطيب ولد ديدي، وكنت معه حين قال طلعته الشهيرة: الراحة ترج كال حد مارس، والناس الا ترد هي فيها ما لا يناسب المقام، وفيها، وعلى أية حال، كنت من أول من تلقف هذه الطلعة عن الطيب ولد ديدي. السراج: وما ذا عن الأدب الشعبي بالنسبة لكم؟ الشيخ: الأدب الشعبي لا أنتجه شخصيا، إنما أنتج الشعر الفصيح فقط، لكن الأدب الشعبي يعجبني، إذا كان جميلا، ويستهويني الأدب الفصيح أكثر منه؛ لأن الأدب العربي له مساس بالجانب الشرعي أكثر، فالأدب الشعبي عندنا نسيبي ومدحي وفخري، ولكن لا مساس له بالعلوم الشرعية، ولا يعطيك رصيد كبير من الثقافة والإرفاد فيها. وأتذكر أنه استوقفني وأنا أطالع كتاب التفسير من صحيح البخاري عند قول الله تعالى: "إن إبراهيم لأواه حليم"، "الأواه كثير الحزن"، وأنشد البخاري هذا البيت: إذا ما قلت أرحلها بليل تأوه آهة الرجل الحزين واستوقفني قول ابن حجر: أن محمد ابن العلاء قال في هذه القصيدة: "لو كان الشعر مثلها وجب على الناس أن يتعلموه"، فقلت أبو محمد بن العلاء هذا لا أعرفه، لعله أبو عمرو بن العلاء، وفتح الباري فيه أبو محمد، فبحثت عن هذا، -ولم يكن google حينها قد دخل الساحة؛ فذهبت إلى مركز الدعوة والإرشاد، أبحث عن القصيدة التي منها هذا البيت، ففوجئت في مطالعاتي أنها في "أمالي اليزيدي"، فوجدت نسخة من أمالي اليزيدي، ووجدت البيت من قصيدة للمثقب العبدي مطلعها: أفاطمُ قبل بينك متعيني ... ومنعك ما سألتُ كأن تبيني فلا تعدى مواعد كاذبات ... تهيج بها رياح الصيف دوني فإني لو تخالفني شمالي ... خلافك ما وصلت بها يميني إذاً لقطعتا ولقلت بيني ... كذلك أجتوي من يجتويني لِمَن ظُعن تطالع من ضُبيب ... وما خرجت من الوادي لحين مررن على شراف فذاتِ رجل ... ونكبن الذرانح باليمين وهن كذاك حين قطعن فلجا ... كأن حد وجهن على سفين إلى أن يقول في قصيدته: إذا ما قلت أرحلها بليل تأوه آهة الرجل الحزين إلى آخره، فحاولت أن أحفظ القصيدة لهذا البيت الذي ذكره البخاري، وقال فيه ابن العلاء قولته هذه، فهذا يدل على أني كنت أحفظ من الشعر ما يمس الجانب الشرعي من الشعر. السراج: وما حوله؟ الشيخ: -ضاحكا- وما حوله.. السراج: وما الذي يعجبكم من الأدب الشعبي؟ الشيخ: يعجبني، أو الجانب القيمي فيه، ويعجبني "اغن" محمد ولد هدار، وتعجبني مرثية سيديا ولد هدار لحرمه: عاكب ذا لا رات بعد.... هذا النوع من الرثاء جميل عندي، وهذا النوع من الأدب "المتعدل" يعجبني كثيرا، فهذا أدب جميل في الرثاء، وهو موجع وحزين، وهو "زين ومطابق"، وما يقوله أبناء هدار من الأدب جميل، وكذا ما يقوله الشيخ ولد مكي، وإسماعيل بن محمد يحظيه، أديب معاصر، وهو أديب من العيار الثقيل، -وإن كانت تربطني به علاقات قربى لكنه أديب من العيار الثقيل فعلا، وكذلك الطيب ولد ديدي. وأنا للأسف لا أحفظ منه الكثير لأن الهواية واحدة، ولأني تربيت في البيت على الأدب العربي، وأنا أحفظ كثيرا من الأدب من جاهليه، وما كان له مساس بالقرآن أو يحول حول ذلك الحمى، كالنحو والبلاغة. السراج: هذا عن الأدب، فكيف ترون العلاقة بالفن والفنانين؟: الشيخ: الفن كلمة واسعة، وإذا كان الفن بمعنى الترويح عن النفس بما ليس فيه مزامير وليس فيه فحش من القول، أدب أصوات مباحة، حداء أناشيد إسلامية، يعني السلم من اختلاط الجنسين، والمحرمات الشرعية، فهو جائز؛ فهو له ضوابط تحكمه، و: لا يصلح النفس إن كانت مدبرة إلا التنقل من حال إلى حال فهذه النفس تحتاج إلى الترويح عنها، لكن في إطار الضوابط الشرعية، فأنا مثلا أعتبر مجالس الشيخ محمد عبد الرحمن ولد فتى فنا في حد ذاتها، وأعتبر مجالس الشيخ محمد الحسن ولد الددو الأدبية كذلك، وقد ذكر لي أن الشيخ اباه ولد عبد الله يفتح سمرا أسبوعيا مساء الأربعاء، وهذا أيضا متميز عندين وحكى لي أحد طلابه، أبياتا أنه أنشدهم إياها في مجلس الأدب، ووجدتها بعد ذلك، في أدب الكاتب لأبي هلال العسكري: حمدت إلهي إذ بلاني بحبها على حول يغني عن النظر الشزر نظرت إليها والرقيب يظنني نظرت إليه فاسترحت من العذر فقلت له: هل حدثك الشيخ اباه ولد عبد الله بهذا قال نعم، حدثني به، فاستحسنت هذا إذ هو من الفن اللائق الكبير. السراج: كانت جمعية المستقبل قد دعت الفنانين والتقت بهم، ألا يعتبر هذا تقاربا؟ الشيخ: فعلا حدث ذلك، لكن أنا لم أحضر غير اللقاء الأول، وبعد ذلك تغيبت، وقد كان في هذا اللقاء تقاربا في الطرح، وفي الحقيقة أنا أرى أن هذه الطائفة هي طائفة من المجتمع، وينبغي أن يكون الاتصال معها كالاتصال مع جميع طوائف المجتمع، فهي فئة وليست طائفة... السراج: كيف يتم ذلك وقديما قيل: "لمرابط ماه صاحب إيكو"؟ الشيخ: طبعا فالناس لا ينبغي أن يصطحبوا على المفاسد، فإذا كان هناك عبث غير لائق، فهذا لا ينبغي أن يصطحب اثنان عليه، وأما ما كان مصيبا وخيرا فالمرابط "صاحب إيكو فيه". بالنسبة لمجالس الأدب "المتعدلة" التي يتداول فيها الأدب الخالي من المزامير فلا مانع منها، ما ذا يضيرنا لو روينا من شعر سدوم ولد انجرت، أو بعضا من "اتهيدينو الزين" الخالي من الآلات الوترية، فهذا "متعدل، ولا يخصر ش، ولا يظر"... |